الخميس، 17 مايو 2012

من واجبات الحاكم



بسم الله الرحمن الرحيم
من واجبات الحاكم

قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [الحج:41] .
ويقابلها قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ  [البقرة :205] .
1 ـ إقامة الدين المتمثلة في:
أ ـ حسن اختيار الولاة، إذ الولاية مسئولية وأمانة في يد الحاكم لا يجوز له أن يضعها في غير مكانها ممن لا يحسن القيام بها، أو ممن يخون في أدائها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ  [النساء:58 ].
قيام الحاكم الشرعي النائب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في إحياء الجهاد في سبيل الله، وحفظ الثغور، وإقامة الحدود، وحمل الناس على تطبيق شرع الله، والقضاء على كل مظاهر الفساد والإفساد، وإقامة العدل بين الناس، ونشر الأمن، وصيانة الحقوق، من الأنفس، والدماء، والإعراض، والأموال، والعقول والأنساب.
وإطلاق الحريات وحمايتها، في إطار الضوابط الشرعية، التي لا تتجاوز حدود الشرع، ولا تؤدي إلى الإضرار بالمصالح الفردية أو الجماعية، ومن هذه الحريات:
أ ـ حرية التعبير، الذي يعني أن يفصح ويلعن المرء عن رأيه أي قضية من القضايا التي توصل إليها من خلال قناعته فيما يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً، أو يزيد شكاً وشبهة، أو يدفع باطلاً، أو يقيم حجة، أو يأمر بمعروف، أو ينهى عن منكر، دون أن يواجه ضداً أو حجراً يكبت رأيه، أو يئد فكره.
وكل ذلك فيما لا يؤدي إلى الطعن في الدين، أو الترويج لأفكار مناهضة له، أو يخدم أعداء الإسلام بما لا يوجد خللاً في المجتمع المسلم، وفي هذه الحال تجب الرقابة على كل مستورد في الجانب الفكري لمعرفة مدى صلاحيته لعقيدة الأمة وأخلاقها وسلوكها وآدابها، والحيلولة دون نشر كل ضار، ومن أهم ذلك ما يؤدي إلى الإضرار بأمن الأمة مما يوجد فتنة تصدع النظام العام في المجتمع، أو تمزق الأمة، أو تنشر الرذيلة، وذلك كله في إطار (نظام الدولة القائم على الإسلام في كل اتجاهاته) وحرية الرأي هي السبيل إلى:
الدعوة إلى الله عز وجل والوصول إلى التمييز بين الحق والباطل ونشر العلم. وإحياء الاجتهاد والإبداع في التفكير والاختراع ومجادلة المخالفين المبطلين؛ لإقامة الحجة عليهم. وفي جواز تقييد حرية الرأي بما لا يؤدي إلى الإضرار جاء، قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  [النور:4]. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ  [النور:19]. قال تعالى: ﴿ لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً  [النساء:148]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ  [الحجرات:11].
وكفل الإسلام كذلك: حق التعلم والتعليم: والقرآن مليء بالحث على العلم، والثناء على أهله، ورفع درجاتهم ومكانتهم، إذ العلم هو المفتاح لمعرفة الله ورسوله، ومعرفة الواجب الشرعي المناط بالمكلف، وحقيقة العبادة، كما أنه السبيل إلى النهوض بالأمة الإسلامية، فاستخراج خيرات الأرض وكنوزها وتسخيرها للمنافع الخاصة والعامة والاستغناء بذلك عن الحاجة إلى أعداء الإسلام لا تتم إلا عن طريق العلم ومعرفة ما في الكون من آيات، وما في النفس كذلك لا تتم إلا عن طريق العلم والفكر.
حق التملك المشروع، بجميع الوسائل التي أباحها الإسلام، في صناعة، وحرفة وزراعة وتجارة وإجارة وهبة ونذر ووصية وميراث وصدقة.
وقد عرف التملك علماء الشرع بتعاريف منها تعريف الإمام القرافي ـ في الفروق ـ وهو أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي ـ بأنها : « حكم شرعي قدر وجوده في عين أو منفعة، يقتضي تمكين من أضيف إليه من الأشخاص من انتفاعه بالعين، أو بالمنفعة، أو الاعتياض عنها، ما لم يوجد مانع من ذلك». وقد كفلت الشريعة الإسلامية حماية الملكية الفردية، قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا  [المائدة:38]. قال تعالى: ﴿ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ  [البقرة:188]. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً  [النساء:10]. وفي الحديث: "من قتل دون ماله فهو شهيد"(1).
ومن أهم الحقوق المشروعة للأمة، والتي يجب على الدولة رعايتها وحمايتها وصيانتها والحفاظ عليها، ولا تستقيم الحياة بدونها الضروريات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل، المال.
أما حفظ الدين: فيعني إقامته على أصوله المستقرة.
ومنع التلاعب به، والنيل منه بأي صورة من الصور، ومن ذلك إقامة الحد على المرتد.
ومن الكلمات الجامعة في واجب الحكم ما قاله الماوردي في (الأحكام السلطانية): «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا».
كما أن مصطلح السياسة مصطلح شرعي، تعني القيام برعاية مصالح الأمة، وقد جاء في الحديث الذي يرويه الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون"(2).
والمراد يتولون أمورهم، وأصل معنى السياسة: القيام على الشيء بما يصلحه.كما أنه يدخل في (حفظ النفس) حق الحياة، الذي يعني العصمة الإنسانية في عناصرها المادية: كسلامة الجسم، الذي يمنع التعرض، لقتل أو بتر، أو إتلاف أو ضرب، أو جرح، أو تعذيب، والمعنوية: ككرامة الإنسان، والأفكار المبتكرة، والحريات العامة، بل إن المقاصد الأخرى تؤول إلى هذا الحق، أعني حق الإنسان في الحياة.
وقد جعل الإسلام الاعتداء على النفس اعتداءا على الإنسانية كلها، قال تعالى: ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ [المائدة:32] .
كما وجب على الرعية القيام بحق الدولة من الطاعة، فإن ذلك مرهون بقيام الدولة بواجبها وهو: تنفيذ شرع الله سبحانه، إذ الدولة ليست مصدر للتشريع، بل يستوي في الإسلام الحاكم أو المحكوم في خضوع الجميع لحكم الله وشرعه﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام:57].
ومعنى هذا أنهما على حد سواء في الحق، فالكل عبيد الله خاضعون لحكمه وأمره، فالخطاب الإلهي متوجه إلى الجميع وعلى هذا الأساس: وإن الحكومة في نظر الإسلام خاضعة للنقد النزيه، والتوجيه والتقويم إذا ظهر منها ما يخالف شرع الله عز وجل، أو يخل بمصالح المسلمين، أو يتنافى مع مسئولية الحاكم كنائب عن الأمة، ومختار من قبلها في رعاية مصالحها وحمايتها وتنفيذ حكم الله فيها، وإقامة العدل الكامل فيما بينها، وحفظ الأمن، والسهر على المصالح الفردية والعامة، وهو مسئول أمام الله عز وجل قبل أن يكون مسئولاً أمام الأمة.
وعلى هذا فواجب الأمة ـ متمثلاً فمن ينوبها ـ من أهل العلم والرأي، والتخصص، والكفاءات المتنوعة وأصحاب الخبرة والبصر بشئون الحياة، أن يتقدموا دائماً بالنصح للحاكم، في كل شئون الحياة، امتثالاً لقوله تعالى : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  [المائدة:2]. وقوله تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ  [العصر:3] . وقوله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  [التوبة:71].وقوله تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ  [الشورى:38] .وقوله الرسول - صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة ـ ثلاثاً ـ قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(3).
إن على الحاكم أن يراعي تطبيق الحق والعدل دون مراعاة لقوة القوي، ولا لضعف الضعيف، فليس في الإسلام تلازم بين الحق والقوة، بل الحق يعلو الجميع قويهم وضعيفهم، وقد كان الخليفة الأول -رضي الله عنه- من أوائل الصادعين بهذا المبدأ، حين قال: ( والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له).
والله عز وجل يقول في كتابه العزيز: ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ  [النحل:92]. ويقول: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ  [القصص:83].
أفيكون الحق في الدنيا لأهل العلو والبغي والفساد الذين لاحظ لهم في الآخرة.
إن مبدأ الحق مع القوة: مبدأ نشأ عن الظلم، والطغيان، والفساد، وفي الأرض، والهوى، والعصبية، والأنانية، والشره المادي، والاستعلاء بالعنصرية، وكل ذلك لا ينشأ في النفس البشرية إلا ناتجاً عن الضعف في الإيمان بالقيم والخلق والافتقار إلى هداية الله سبحانه ولذلك فرق الإسلام بين هدف من يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، التي تعني إخضاع الناس لعبادة الله الخالق، وتحرير الناس من عبودية البشر، ونشر العدل والخير والبر والفضيلة، وإسعاد البشرية، وبين من يقاتل في سبيل نشر الرذيلة والكفر والإلحاد، قال عز وجل: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾ [النساء:76].
تأليف فضيلة الدكتور :عبد الوهاب بن لطف الديلمي

هناك تعليق واحد: