الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

لماذ ذكر الله سبحانه التسبيح دائما قبل التحميد ؟

التسبيح أينما جاء فإنما جاء مقدماً على التحميد، ألا ترى أنه يقال: سبحان الله والحمد لله إذا عرفت هذا فنقول: إنه جل جلاله ذكر التسبيح عندما أخبر أنه أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال: سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً }[الإسراء: 1] وذكر التحميد عندما ذكر أنه أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم فقال: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ } وفيه فوائد:

الفائدة الاولي : أن التسبيح أول الأمر لأنه عبارة عن تنزيه الله عما لا ينبغي وهو إشارة إلى كونه كاملاً في ذاته والتحميد عبارة عن كونه مكملاً لغيره، ولا شك أن أول الأمر هو كونه كاملاً في ذاته. ونهاية الأمر كونه مكملاً لغيره. فلا جرم وقع الابتداء في الذكر بقولنا { سبحان الله } ثم ذكر بعده { الحمد لله } تنبيهاً على أن مقام التسبيح مبدأ ومقام التحميد نهاية .


ولقد ذكر عند الإسراء لفظ التسبيح وعند إنزال الكتاب لفظ التحميد. وهذا تنبيه على أن الإسراء به أول درجات كماله وإنزال الكتاب غاية درجات كماله، والأمر في الحقيقة كذلك لأن الإسراء به إلى المعراج يقتضي حصول الكمال له، وإنزال الكتاب عليه يقتضي كونه مكملاً للأرواح البشرية وناقلاً لها من حضيض البهيمية إلى أعلى درجات الملكية، ولا شك أن هذا الثاني أكمل. وهذا تنبيه على أن أعلى مقامات العباد مقاماً أن يصير (العبد) عالماً في ذاته معلماً لغيره ولهذا روي في الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال: " من تعلم وعلم فذاك يدعى عظيماً في السموات " 

الفائدة الثانية: أن الإسراء عبارة عن رفع ذاته من تحت إلى فوق وإنزال الكتاب عليه عبارة عن إنزال نور الوحي عليه من فوق إلى تحت، ولا شك أن هذا الثاني أكمل.

الفائدة الثالثة: أن منافع الإسراء به كانت مقصورة عليه ألا ترى أنه تعالى قال هنالك: لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا } [الإسراء: 1] ومنافع إنزال الكتاب عليه متعدية، ألا ترى أنه قال: { لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مّن لَّدُنْهُ وَيُبَشّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } والفوائد المتعدية أفضل من القاصرة.

إن إنزال الكتاب نعمة عليه ونعمة علينا، أما كونه نعمة عليه فلأنه تعالى أطلعه بواسطة هذا الكتاب الكريم على أسرار علوم التوحيد والتنزيه وصفات الجلال والإكرام وأسرار أحوال الملائكة والأنبياء وأحوال القضاء والقدر .. فتصير النفس كالمرآة التي يتجلى فيها كل شيء..  فلا شك أن ذلك من أعظم النعم .. وأما كون هذا الكتاب نعمة علينا فلأنه مشتمل على التكاليف والأحكام والوعد والوعيد والثواب والعقاب .. لذلك بدأ السورة بالحمد { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ }

ثم وصف الله تعالي الكتاب بوصفين .. { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا .. قَيِّماً } .. لم يجعل له عوجا إشارة إلي كونه كاملا في ذاته .. وقوله: { قَيِّماً } إشارة إلى كونه مكملاً لغيره لأن القيم عبارة عن القائم بمصالح الغير ونظيره قوله في أول سورة البقرة في صفة الكتاب: لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2] فقوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } إشارة إلى كونه في نفسه بالغاً في الصحة وعدم الإخلال إلى حيث يجب على العاقل أن لا يرتاب فيه وقوله: { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } إشارة إلى كونه سبباً لهداية الخلق وإكمال حالهم فقوله: { وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } قائم مقام قوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } وقوله: { قَيِّماً } قائم مقام قوله: { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } وهذه أسرار لطيفة. يتبع >>

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق