السبت، 5 يونيو 2010

سجود تحت العرش




بسم الله الرحمن الرحيم
تخلل النور
سجد..
تسارع رأسه وذرات كيانه للهوي..انحنت ركبتاه..ولم تستطع رجلاه حمله..فسجد والتصقت جبهته وانسابت عبرته..علي أي شيء ياتري سجد ؟ ليس هناك تراب..والأرض بينه وبينها سبع سموات طباق..أزمان وأزمان لا يعلمها إلا باريء السموات..وعالم سرها..فصلته عن الأرض..

لم يسجد الكيان في الحقيقة..أو البنيان وإن سجدت..لكن الذي سجد هو القلب سجد فما قام..إي وربي..سجد القلب وما قام..ولقد ترك قلبه هناك ثم عاد!!..عاد إلينا وقد تسامي وهو الذي قد بلغ الكمال من قبل..وهو الذي بلغ المبلغ ونزل المنزل..هو البحر امتلأ فلا تشعر بالسيل يغمره..استنار وهو الذي تغلغل في النور وتغلغل فيه النور..نور علي نور..



يا رسول الله : علي رأسك العرش والعظمة والجلال..والجمال والكبرياء..وأسفلك كل العالمين..أسفل قدميك وتحت نعليك كل الخلائق..تحتك حملة العرش وجبريل..ميكائيل وإسرافيل..تحتك الجنة والنار..تحتك الأنبياء وكل واحد في سمائه..وأنت فوق السموات..أنت..هناك في قاب قوسين أو أدني..هناك لتري..( لنريه من آياتنا)..(لقد رأي من ءايات ربه الكبري).



أفهم العالمون..لماذا هو لا يركع لأحد ولا ينحني ولا ينكسر؟ .. إنه قد سجد..أتدري معني سجد..سجد قلبه..لواحد فقط له كل الجلال..هناك تحت العرش...أفهم العالم..لماذا هو ومن معه..لا يذلون لأحد؟...إنه ذل هناك وصرخ..أمتي أمتي..بكي ولو رآه حجرصلد لبكي لبكائه..حتي رحمه مولاه وقال له : والله لا نخزيك..لا نخزيك في أمتك أبدا.

أمة هناك ذكرت..وتطيبت بطيب تضرعه..وهناك حُمدت وتشرفت بثنائه ونبض قلبه..أمة هناك دعي لها أشرف لسان وأطهر قلب..هذه الأمة حرام عليها الذل..حرام عليها الإنحناء...لقد صار الذل عليها بالشرع من أكبرالكبائر..هو الذنب الأعظم..وما الهرولة في الحج إلا نوعا من التقرب لله بمحو الذل..وما التبختر الذي فعله أبو دجانة وهو علي فرسه علي مرأي من رسول الله الفرح بتبختره إلا نوعا من هذا..

وكلما محا المؤمن عنه الذل كلما ارتفع درجات , واقترب وتسامي..وتطهر..وغسل القلب..ليس ذلك كبرا أو فخرا أو إعجابا واستعلاءا..لا لا إنها العبودية لمن لايعلمها..إنها الإنتساب لذي الجلال..لمن لا يفقه..فهو لايذل لأحد لكنه يتواضع .. ويرحم .. ويحن .

بأبلي الثياب وأقل الزاد والمتاع ..بإدام الزيت والخل , ورقدة التراب تحت الشجر , وبالثوب الواحد المرقوع جاءتهم التيجان ذليلة والقادة مستسلمة والجيوش والأمم مبهورة..إنهم في علياء سمائهم وفي عزة كبريائهم..شعارهم : أنعطي الدنية في ديننا.. ومهما ابتغينا العزة في غيرإسلامنا وديننا أذلنا الله .. بهذا أناخت عظمة الأمم بباب عزتها مطاياها..

بعد هذا اللقاء..كيف يستطيع العودة..كيف له وقد رأي وعاين وسجد..كيف تطيب له حياة بدون هذا القرب..لابد من منحة أو هدية تطفيء لهيب هذا الشوق..فأُعطي الصلاة..أعظم هدية في التاريخ..وأجل عطية في هذا العالم منذ بدأت عليه حياة..خمسون صلاة في اليوم والليلة..فرح واغتبط وكاد أن يطير حتي ولو كانت ألف صلاة..فهي القرب الذي رجاه وعلي قدر عظمة اللقاء تكون العطية..يقابله موسي فيستشف النور فيعيده لربه مرات..حتي صارت خمسة في العمل وخمسين في الأجر..

ألا فليتدبر الخلق : ..الصلاة سجود قلب..هناك لا هنا..تحت العرش لا فوق التراب أو فرش المساجد..ألا فليتدبر الخلق..الصلاة انحناء روح ذابت حتي استقرت في النور لا انحناء أصلاب..ألا فليتدبر المؤمنون خاصة..الصلاة صلة بالله الكبير المتعال..فبها يكبر المؤمن ويتسامي..فإذا انقطعت الصلة انحدر إلي مكان سحيق..ألا فلتتدبر الخلائق حال المصلين الهيامي..جمعت لهم كل أعمال الملائكة..وفي عمل واحد ..فلذَ القيام والركوع والسجود والبكاء..فانتقلوا بها إلي هناك..حتي عادوا لا يرون خيالات الطين والتراب..التي حولهم..فذابوا فيها عشقا..وهتفوا : أرحنا بها يا بلال..

تدبر هذا الترتيب العجيب الذي هو في غاية الحسن..محمد صلى الله عليه وسلم في الأول حصل في الأفق الأعلى منمراتب الإنسان وهو النبوة ثم دنا من جبريل وهو في مرتبة النبوة فصار رسولاً فاستوى وتكامل ودنا من الأمة باللطفوتدلى إليهم بالقول الرفيق وجعل يتردد مراراً بين أمته وربه، فأوحى الله إليه من غير واسطة جبريل ما أوحى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق