الأربعاء، 22 ديسمبر 2010

ولكن الله رمي

عقبات من الخيال .. واجتيازها أيضا نوع من الخيال .. بل من الجنون .. لكنه بالإيمان تحقق .. اقتحام صعق العدو .. ولم يصدقه القريب .. فكيف حدث ؟ ومن المعين ؟ وكيف تكتم ثم فاجأ في عصر الذرة والمعلومات ؟؟ ..
كان يحمل 2 كجم من الطعام , 2,5 لتر من المياه فقط ليحمل 25 كجم من السلاح والزخيرة .. بجانب جر عربات تحمل مدافع صغيرة وزخيرة لمواجهة دبابات ومدرعات العدو بل وطائراته وألغامه ويتسلق ويجتاز قناة مائية تحت النار .. ويتسلق ساترا ترابيا رهيبا لا يمكن لبشر أن يمشي عليه لأنه رمال متحركة مائلة لدرجة قد تصل إلي 85 درجة قائمة .. ويعبر حقول الألغام .. ويتحمل القصف المدقعي والجوي .. ثم يواجه بالقليل والخفيف .. كل السلاح الثقيل .. ومواجهة المستحيل إلي أن يأتيه السلاح الثقيل ولا يدري متي سوف يأتيه؟! إنه الجندي المصري الذي تحمل وحده الصدمة الأولي لحرب غير منطقية .. لكنها واجبة..( اتخذوا منهم جندا كثيفا فإنهم خير أجناد الأرض ) ( هم في رباط إلي أن تقوم الساعة ) وما عليك أخي إلا أن تبحث عن : معني الرباط والمرابط لتفهم مقصد من لا ينطق عن الهوي.. وحقيقة أن من اجتاز هذه العقبات والصعوبات والموانع فلا خوف عليه.

إن القناة لم تكن مشكلة العبور الوحيدة , فالعائق في الحقيقة كان مثلثا : القناة , الساتر الترابي وخط بارليف .. وكل منها عائق رهيب بما فيه الكافية , ولكل مشكلاته الاقتحامية الخاصة , واجتماع العوائق الثلاثة جعل عملية العبور في منتهي الصعوبة. وهناك ثلاثة عوائق أخري ثانوية وهي: خط أنابيب النابالم , وخط الأسلاك الشائكة وخط حقول الألغام
صعوبة القناة : مجري مائي ضيق بين 220 و 180 مترا مما يسهل على العدو تغطيتها بنيرانه
- هي قناة عميقة نسبيا عمقها إلي 20 مترا في بعض المواقع
- ينخفض سطح الماء عن الشاطئ فيها بنحو المترين , مما يجعلها صعبة العبور للآليات والدبابات والسيارات المدرعة البرمائية , وهذا يستدعي بالضرورة طرز خاصة من الجسور والمعابر
- تمتاز القناة بتياراتها المائية السريعة (1.5 متر في الثانية )
- تتغير اتجاهاتها ما بين الشمال والجنوب أربع مرات في اليوم الواحد
- عميلة المد والجزر التي تغير منسوب المياه خلال اليوم ويصل اقصاه في الجنوب عند السويس حينما يبلغ مداه 1.5 متر
- وأخيرا هناك انحدار شديد للقناة المبطنة فضلا عن ذلك بالحجارة والدبش والستائر الأسمنتية والحديدية وهو أمر يجعل نزول المركبات البرمائية وصعودها عليه أمرا في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلا.

أما الساتر الترابي , وموقعه الشاطئ الشرقي لقناة السويس , فهو في الحقيقة عقبة من الدرجة الأولي .. ومشكلة حقيقية جدا وتحديا أمام التكنولوجيا والهندسة العسكرية, فهذا الحائط اقامه العدو من مخلفات حفر القناة قديما وحديثا والتي كانت تؤلف ساترا ترابيا يتراوح بين 6 و 10 أمتار في ارتفاعه , وهو حائط شديد العرض والاتساع يصل في المتوسط إلي عشرات الأمتار , مثلا في القطاع الجنوبي وصل عمقه إلي نحو 200 متر , أما ارتفاعه فيصل إلي نحو 10 و 15 و 20 متر في المتوسط , يضاف إلي ذلك أنه في بعض المواضع يهوي بخط شبة عمودي إلي مياه القناة مما يصعب من عملية ارتقائه. وهو أيضا يغطي تحركات العدو الذي يستطيع بسهولة مراقبة عمليات الجيش المصري , وفي نفس الوقت يخفي وراءه الجزء الأكبر من خط بارليف. وقد أثبتت التجربة استحالة فتح ثغرات في هذا الساتر بالتدمير أو استخدام قوة المدفعية لأن التراب كاتم يمتص وقع القذائف المتفجرة.

خزانات النابالم
كان من أصعب المشاكل التي يمكن ان تواجه عمليه العبور خزانات النابالم على الضفة الشرقية للقناة .. فقد وضع العدو الإسرائيلي "خزانات للنابالم" في بعض النقاط الحصينة .. تخرج منها مواسير تمتد تحت سطح مياه القناة .. وإذا ما حدث العبور تتحول القناة إلي نار الجحيم وتصل درجة الحرارة إلي 700 درجة مئوية.. وقد أخطأت إسرائيل حينما أقدمت على تجربة هذا السلاح قبل الحرب لإرهاب الجيش المصري وردعه عن مجرد التفكير في عبور القناة .. وكانت هذه التجربة سببا في معرفة المصريين بهذا السلاح الخطير .. وبدون ذلك لفوجئ الجنود وهو يعبرون القناة وقد تحولت إلي نيران مشتعلة تلتهم كل ما على سطحها خاصة أن الجنود سيعبرون في قوارب مطاطية لا تتحمل مقدارا بسيطا من تلك الحرارة , ولتحولت القناة إلي أكبر مقبرة عسكرية في التاريخ كله , ولانتهت عملية العبور قبل أن تطأ قدم جندي واحد أرض سيناء.

أما خط بارليف
فكلّف إنشاؤه 238 مليون دولار أي ما يقرب من نصف تكاليف السد العالي .. وأقاموا خط بارليف من 22 موقعا حصينا يضم 31 نقطة بلغت مساحة كل منها حوالي 4000 متر مربع تقريبا، وأحاط الأعداء هذه النقاط بنطاقات كثيفة من الأسلاك الشائكة وحقول الألغام المضادة للدبابات والأفراد، وحرصوا بالطبع في اختيار مواقع هذه النقاط أن تغطي جميع النقاط الصالحة للعبور.وخط بارليف كان هو أقوى خط دفاعي في التاريخ الحديث يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كم داخل شبه جزيرة سيناء على امتداد الضفة الشرقية للقناة وهو من خطين: يتكون من تجهيزات هندسية ومرابض للدبابات والمدفعية وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، بطول 170 كم على طول قناة السويس، وكانت إسرائيل قد قامت بعد عام 1967 ببناء خط بارليف، والذي إقترحه حاييم بارليف رئيس الاركان الإسرائيلي في الفترة ما بعد حرب 1967 من أجل تأمين الجيش الإسرائيلي المحتل لشبه جزيرة سيناء.. ضم خط بارليف 22 موقعا دفاعيا ، 26 نقطة حصينة، وتم تحصين مبانيها بالاسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية للوقاية ضد كل أعمال القصف، كما كانت كل نقطة تضم 26 دشمة للرشاشات، 24ملجأ للافراد بالإضافة إلى مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات ،و 15 نطاقا من الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام وكل نقطة حصينة عبارة عن منشأة هندسية معقدة وتتكون من عدة طوابق وتغوص في باطن الأرض ومساحتها تبلغ 4000 متراً مربعا وزودت كل نقطة بعدد من الملاجئ والدشم التي تتحمل القصف الجوي وضرب المدفعية الثقيلة، وكل دشمة لها عدة فتحات لأسلحة المدفعية والدبابات، وتتصل الدشم ببعضها البعض عن طريق خنادق عميقة، وكل نقطة مجهزة بما يمكنها من تحقيق الدفاع الدائري إذا ما سقط أي جزء من الأجزاء المجاورة، ويتصل كل موقع بالمواقع الأخرى سلكيا ولاسلكيا بالإضافة إلى اتصاله بالقيادات المحلية مع ربط الخطوط التليفونية بشبكة الخطوط المدنية في إسرائيل ليستطيع الجندي الإسرائيلي في خط بارليف محادثة منزله في إسرائيل.. روجت إسرائيل طويلا لهذا الخط علي أنة مستحيل العبور وأنه يسطيع إبادة الجيش المصري إذا ما حاول عبور قناة السويس، كما أدعت أنه أقوى من خط ماجينوه الذي بناه الفرنسيون في الحرب العالمية.
 

وقد يسأل سائل : هل كان بالإمكان تجاوز كل هذه العقبات وتحقيق العبور جوا ؟ من خلال القيام بهجوم شامل محمول جوا يحقق الإسقاط خلف خطوط العدو, أي خلف خط بارليف ؟ الإجابة تقول بأن هذا الأمر مستحيل.. لماذا ؟ لأن هذه الفكرة تحتاج إلي أسطول جوي من طائرات النقل والهليكوبتر من المستحيل توفير عدده وهو أمر يفوق أيضا إمكانيات الدول الكبرى .. ولهذا لم يكن هناك مفرا من الطريق الأرضي, أي الاقتحام المباشر وليس الالتفاف .. وهو ما كانت إسرائيل تدركه , وتسكر في خمر غرورها باستحالة التفكير في العبور , والقضاء على الساتر الترابي. دون أن تدري أن على الجانب الآخر من القناة تجري معركة في الخفاء , وبالفكر المصري وأبسط الوسائل نجحنا في فك الغاز وقف العالم أمامها حائرا.
يتبع>>>

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق