الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

بريق النفس


بسم الله الرحمن الرحيم

الماء المستعمل ( طاهر في نفسه غير مطهر لغيره ).. لا يجوز استعماله في رفع حدث ولا في إزالة نجاسة عند الحنابلة والشافعية وكذا في رأي عند أبي حنيفة ومكروه استعماله عند المالكية .. مع أنه طاهر في ذاته .. لكن بريق النفوس العالية يكشف سر هذا الماء الملوث " بالذنوب " .. الملوث وإن كان غير نجس كيف يطهر الأبدان ومن ثم القلوب .. دخل الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه الله مطهرة جامع الكوفة فرأي شابا يتوضأ .. فنظر في الماء المتقاطر منه فقال : يا بني !! تب عن عقوق والديك فقال الشاب : تبت إلي الله عن ذلك ! نفس برقت فأضاءت ما حولها .. يكاد برقها يخطف أبصارهم .. أو يذهب بالأبصار ..

أخي الحبيب .. ألم تشعر ولو لمرة واحدة .. أن نفسا براقة أصابك وميضها .. فأسرتك بجلالها وجلائها المبهر .. فلم تستطع حينها إفلاتا .. كأنها نجم دري تألق من ذاته يدار حوله .. لا كوكب دري معتم في ذاته يدور هو مع من دار .. فدرت رغما عنك في فلكه .. حتي حجم كل وسائل الدفاع عندك .. وكساك بلون ضيائه وبريقه .. وغضضت الطرف .. وأسلمت النفس والجوارح .. وملك منك كل كيانك .. وصار قدرك المحتوم .. نفس سواها باريها.. فأتمها بإلهامه ( الإلهام نسب إليه هو ) .. فألهمها تقواها ( التقوي نسبت إليها هي ) ..

تقواها التي مزجت بطينتها .. براها باريها بها.. تقواها التي بنور الوحي والملك الكريم تم نورها وشع بريقها .. نور علي نور .. في صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } [الروم: 30] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " صحيح أخرجاه من رواية أبي هريرة

نفس قريبة لا تقصيها المسافات الزمانية أو المكانية .. بعيدة بذاتها لأقصي مدي وفي نفس اللحظة هي أقرب ما يكون .. نفس نجمية تتوقد .. لو زاد القرب منها عن المسموح والمعقول لأحرق نورها كل من يدنو .. أو يقترب بلا حساب .. إن نفس عيسي النبي عليه السلام أحرقت بأنوارها بعض المبهورين وأرادوا أن يحدقوا ببصرٍ كالٍ ضعيف في نجمه فخطف أبصارهم وقالوا : "اتخذ الله ولدا " .. " عيسي ابن الله " .. فذابوا بلا عودة .. كذلك الإمام علي .. علي قول من دنا بلا حساب من السبئية : أنت ربنا وخالقنا ورازقنا فأحرقهم بالنار ..

روي " أن علياً عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهاراً فقال أسفر أم مرضى قالوا: لا، ولا، واحدة منها .. قال: فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية قالوا : لا .. أنت أنت .. يومئون إلى ربوبيته .. فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض .. وقال : ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام .. فأبوا فدعاهم مراراً فأقاموا على كفرهم .. فنهض إليهم وقال : شدوهم وثاقاً وعليّ بالفعلة والنار والحطب ثم أمر بحفر بئرين فحفرنا فجعل إحداهما سرباً والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحاً وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام .. فأبوا فأمرهم بالحطب والنار فألقى عليهم فأحرقوا ..

بلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((لا تعذبوا بعذاب الله)) ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدّل دينه فاقتلوه) فبلغ ذلك علياً فقال ويح ابن عباس .. أوقال : صدق ابن عباس .. لكن القدر سبق بالحرق .. وكأن القدر يقول : من اقترب عن الحد احترق .. وكذلك دنا آخرون فأولوا آية ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) عليه وأنها نزلت بشأنه فهوالإمام المبين .. وهو عالم اللوح والقلم .. هو الرعد القاصف.. والبرق الصاعق .. هو رب الأرض كلها .. وغير ذلك الكثير ..

نفس تحترق وتومض كنجم أضاء من ذاته .. نفس تضيء لغيرها بفنائها ( يحيي تقطع رأسه مهرا لبغي .. وأبوه زكريا يقطع وينشر بالمنشار .. وإبراهيم يرمي بالمنجنيق في النار .. وعيسي ومحمد يطاردان فيصعدان .. عاد محمد وبقي عيسي إلي حين .. أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأكثر الأصحاب والآل وكل أشراف الأمة سالت دماؤهم أنهارا .. الماشطة وأولادها فارت عظامهم بقدر يغلي .. والغلام باسم رب الغلام فلق السهم رأسه فآمن الناس .. آمن كلهم جميعا .. لشدة إبهار نوره .. وكلما قوي الاحتراق قوي الوميض .. وعظم البريق .. حتي يخطف الأبصار والألباب .. وإلي ساعتنا هذه .. لا نملك حياة السعداء بغير تلك النفوس .. نفوس .. عبر الأثير أو من وراء البحار ..أو من وراء الدهور تجذب ..وتلك روعة النفس البشرية ..

لكن احذر قد تكون النفس نجما قد أفل حتي صار ثقبا أسودا عظمت دقته وجبروته حتي ابتلع المجرات .. كدعاة الضلالة .. يتبعهم الغاوون .. والله إن نجما قد هوي لما زعم أن صاحبنا ضل وغوي .. وأنه ينطق عن هوي .. فحاربه وعاداه وبكل بدعة وفرية آذاه .. فجذب المريدين والأتباع المذهولين لكنهم لا يشعرون أنهم يسيرون في طريق الفناء .. وكما ألهم سبحانه الأولي تقواها .. ألهم الثانية فجورها .. كيف الخلاص ؟ .. إنه في ( قد أفلح من زكاها .. وقد خاب من دساها ) .. وصلي الله وسلم علي النبي محمد وآله ومحبه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق