الخميس، 11 نوفمبر 2010

لو لم يهبط معنا إبليس..

بسم الله الرحمن الرحيم

لو تخيلنا مثلا أن آدم عليه السلام هبط إلي الأرض وحده - هو وزوجه فقط - ولم يهبط معه إبليس .. والذي كان سببا مباشرا في خروجه من الجنة ..

إننا نفترض فقط - مجرد هلوسة - أن الإنسان هبط إلي الأرض ومعه فقط غرائزه التي تعينه علي البقاء .. وليس معه من يغويه أو يوسوس إليه .. ولا من يجري في دمه يقوده إلي شر المصير ..

هل يستطيع إذا اشتعلت شهوته أن يسيطر عليها ؟ .. وهل يغضب ؟ أم أن الغضب عجينه شيطانية بحتة .. هل يطمع في ملك غيره فتقع حادثة هابيل وقابيل ؟ ..

وهل ينزرع الكره في القلوب ونري صفات إبليس من التعالي والفخر والعجب والظلم ؟ .. هل تكون هناك صفحات للحوادث في صحفنا وإعلامنا ؟

هل إذا جلس رجل وحده إلي أنثي بغير أن يكون معهما شيطان - ثالثهما - فهل يغلب الجمال والرغبة درجة التعقل ولا يقع ما قد يحدث لو كان ثالثهما حاضرا ؟

هل تشرب الخمر التي لا معني لشربها وهل تزرع المخدرات ؟ .. وهل كان سيظهر السحر لأن ( الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) ؟ وهل كان سيظهر أبوجهل وأبو لهب وفرعون وهامان أعداء الأنبياء ؟ وهل نري يوسف في سجنه لأنه قال لا ؟ وهل تبني السجون والمعتقلات أصلا ؟

وهل كنا سنري احتكار السلع والغلاء والشح والبخل ؟ وهل كنا سنري حوادث السيارات والسفن والقطارات ؟ وهل كانت تحدث الأزمات الإقتصادية والسياسية ونري الحدود الجغرافية والتفتيش في المطارات والموانيء ؟

وهل يحمل الشباب المطاوي والسنج ؟ وهل تُعق الأبوة والأمومة أو تهان ؟ وهل يحدث الطلاق وهو من أجل أعمال إبليس ؟

هل كانت ظهرت القنابل التقليدية والذرية والمعنقدة والفرادي والطائرات المقاتلة وحاملاتها ؟ وهل كنا صنعنا الصواريخ والغواصات والمدرعات والدبابات وما نعلمه وما لا نعلمه من سلاح الفتك والدمار؟ وهل كانت الحروب قامت ؟ ..

هل كان الحاكم سيظلم شعبه ويجور ويجول ويصول ويعبث بمقدرات أمته ومصائر وطنه .. وهل نري الشعوب تستكين وترضي بالمقدور؟

هل كانت سيقان وصدور النساء تعرت ؟ وتجملت وتزخرفت وجوه الحسان وغير الحسان ؟ وبرزت واستبانت أعجاز النساء ؟ وهل كانت ظهرت الراقصات ؟ وبائعات الهوي والغانيات ؟

هل كنا تركنا الصلاة والعبادات ؟ وهل كنا فقدنا الخشوع مع عدم وجود - خنزب - شيطان الصلاة ؟

أسئلة كثيرة لابد أن نجيب عنها .. لأننا لو أثبتنا أن الشيطان هو سبب كل مصائبنا فما أسهل أن نُفقده خصائصه وصلاحياته ونضعف سلطانه وسلطاته ونعيش بدونه ولو كان بيننا ويجري في دمائنا .. لأن ذلك ممكنا ومعقولا..

لقد فعل ذلك كثير من البشر علي رأسهم الأنبياء وكذلك الأولياء .. ( إلا عبادك منهم المخلصين ) ( إنه ليس له سلطان علي الذين آمنوا وعلي ربهم يتوكلون ) (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) ..

(إخلاص .. إيمان .. توكل .. تذكر .. استبصار .. استعاذة .. وغيرها ) .. هذه الأشياء اليسيرة بالصبر والمصابرة كفيلة بتحجيم سلطات الشيطان..عندها لن يملك الشيطان من أمرنا شيئا ولن يستطيع .. كمن يركب البحر ويتنقل بين أمواجه بسفينته المتماسكة القوية وقيادته الحكيمة .. لكن إذا أصابها خرق أو ضعُف بنيانها فإنها تتهاوي ثم تغرق .. والبحر عميق ..


حقيقة .. ليس الشيطان وحده السبب .. يقول يوم القيامة أمام ربه لكل مجرمي بني آدم ( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) بعد قوله ( فما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) وقال : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ) كل عمله هو - قول ودعوة وتزيين فقط ..

أما الشيطان الحقيقي والأشرس فهي النفوس البشرية .. وغير البشرية .. فكل نفس أيا كانت .. وُجدت فيها غرائز وأهواء وشهوات .. تفعل - لا ريب - كل مالا يحمد عقباه ..

يعني أننا لو لم يكن معنا إبليس ولم تكن هناك وساوس شيطانية خارجية .. فإننا سنفعل كل المحظورات .. ونجلب علي أنفسنا كل أسباب العذاب والمصائب .. طبعا دون أن نبريء الشيطان من جرائمه في حقنا .. ولهذا دليل والله أعلم .. بل أكثر من دليل ..

من الأدلة أن الله تعالي قد أوجد علي الأرض خلقا قبلنا .. عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا .. ولم يكن معهم موسوس إلا النفوس .. قالت الملائكة لربها عند خلق آدم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .. قال إني أعلم مالا تعلمون )

ومن الأدلة .. القصة المروية عن أهل الكتاب ورواها أحمد في مسنده وأبو حاتم بن حبان في صحيحه وغيرهم .. عن قصة الملكين ببابل هاروت وماروت .. " إن الملائكة قالت: يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب ؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم، قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك، قال: فاختاروا ملكين منكم ، قال: فلم يألوا جهداً أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت ..

المهم في نهاية القصة .. أعجبتهما امرأة جميلة فاتنة فتأبت عليهما حتي يدينا بدينها فلم يصبرا وأشركا بالله وشربا الخمر وقتلا النفس التي حرم الله .. فعاقبهما الله في الدنيا إلي حين .. والله أعلم بحقيقة هذه القصة التي ذكرتها جل التفاسير .. وأنكرها كثير .. من المفسرين وأهل الحديث .. وعدت من الإسرائيليات .. لكن العبرة واضحة فيها إن صحت ..

ومن الأدلة .. قوله تعالي : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) وذلك بعد وقوفهم علي حافة النار ورأوا ما فيها من عذاب .. أنهم لو عادوا لعادوا .. ومنها أيضا قول يوسف عليه السلام لمن مدحه علي عصمته وعفته : ( وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم )..


لكل ما تقدم فطن أهل الله لهذا الأمر فانشغلوا بترويض نفوسهم عن كل ما سواها حتي عن الشيطان نفسه ووسوسته .. فمثلا عندنا الحدث الأشهر .. إبراهيم عليه السلام يري مناما .. يذبح فيه ولده الذي انتظره تسعين سنة ..

مع أنها رؤيا وليست حديثا مباشرا من ملك السماء .. لكنه استشار ابنه البار في ذلك فقال الولد - الذي باع نفسه لله أيضا "يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " فاستسلم الأب والإبن لله وحكمه " فلما أسلما وتله للجبين " وانظر إلي دقة التعبير القرآني " أسلما " ..

مع محاولات إبليسية حثيثة لمنعه وولده والأم الصابرة وإثنائهم عن الاستسلام لله نجحوا في ترويض نفوسهم بل رجموا الشيطان .. فكان ما فعلوه سنة وعباده لله سارية المفعول لكل بني آدم إلي قيام الساعة .. وكان جزاء الله لهم هو الفداء " وفديناه بذبح عظيم " وسلام علي عباده الذين اصطفي ..

إن التعلق بنعم الدنيا وعطايا الإله هنا وفي هذه الدنيا الفانية شغل عن الله بل إنها فتنة .. وأوثان تعبد من دون الله .. لذلك كان الأمر بذبح إسماعيل ولذلك كان ضياع يوسف من أبيه .. وهجرة الأنبياء من اوطانهم .. وفقد الأحباب الذين تعلقت بهم القلوب ..... يقول ماري آن إيفانس الإنجليزي : الشيطان لا يعيش بيننا من تلقاء نفسه .. إنما نحن نغريه بذلك ..... فما رأيك أنت أخي ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق