الخميس، 11 نوفمبر 2010

صور الندامة

صور ومقاطع لا غني لأحد عن رؤيتها , صورها رب البريات لأهمية عرضها حتي قبل وقوعها فيتحصل منها المؤمن موعظة بليغة يجل منها قلبه ويقشعر منها جلده وتتغير بها أحواله ولا تزيد الظالمين إلا خسارا .. الندم بسكون الدال كما ذكره الزمخشري هوالغم اللازم إذ يندم صاحبه لما يعثر عليه من سوء آثاره , ويقال : التقدم قبل التندم , وهذا يروي عن أكثم بن صيفي أنه قال : إن أردت المحاجزة فقبل المناجزة , قال أبوعبيد : معناه . انج بنفسك قبل لقاء من لا قوام لك به , هو التحسر :" أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله " .. والندم في الدنيا محاسبة فهو من التوبة كما قال النبي عليه السلام : الندم توبة .. ولا يتحصل المرء علي ندم التوبة إلا إذا رأي بعينيه في عالم الغيب صور الندم التي صورها لنا عالم الغيب سبحانه ..
فالصورة الأولي من الندم عند الفراق
حين تلتف الساق بالساق " إلي ربك يومئذ المساق " .. في لحظة فارقة , فاصلة لا بين ليل ونهار أو بين مشرق ومغرب بل بين الدنيا والآخرة .. حينها يأتيه شريط اللحظات والساعات والأيام والأعوام فيجد أن أكثرها فراغ , فراغ مع عافية نعمتا الغبن " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" حينها يتمني الرجوع ليستدرك ما فات " حتي إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت " فهذه أول أمنية نتجت عن اول ندم في أول غيب تراه عينه .. لكن هيهات أن ينطلي ذلك علي علام الغيوب الذي قال " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" لذا يقال لهذا النادم المتمني " كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون".
الصورة الثانية للندم - عض الأيدي
في أرض القيامة وهو يري أن أهون أهل النار عذابا في هذا اليوم لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان , يغلي منهما دماغه , وفي رواية : له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه - كما يغلي المرجل - ما يري أن أحدا أشد منه عذابا , وإنه لأهونهم عذابا " حينها تتخايل أمامه تلك الضحكات والقهقهات والجلسات والشراب المحرم ومااقترفته يداه بسبب اصدقاء وأحباب تمني أنه ما عرفهم " ويوم يعض الظالم علي يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد اضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا" يقول سيد رحمه الله : فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها إنما هو يداول بين هذه وتلك أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه اليدين في نتيجة طبيعية لمصاحبة أصحاب السوء ومعاداة أهل الصلاح.
الصورة الثالثة من الندم -عند عرض الأعمال
فالكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا" ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر" وهذا الأعمال تعرض أمام الخلائق والكل ينظر " يوم تبلي السرائر فما له من قوة ولا ناصر" وهذا الكتاب لا أحد يقرأه إلا صاحبه " اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا " ويتلقاه الإنسان إما بيمينه دليل بشري , أو بشماله أو من وراء ظهره دليل مصيبة بل نكبة الأبد فإذا سارعت شماله لالتقاط الكتاب يندم ويقول : " ياليتني لم أوت كتابيه و* لم أدر ما حسابيه * ياليتها كانت القاضية * ما أغني عني ماليه * هلك عني سلطانيه" فلا نفعه مال ولا جاه أو سلطان فيتحسر ويندم بعد أن يقرأ الفضيحة تلو الأخري والله والملائكة والعالمين شهود فيتمني لو كان ترابا وطئته الأقدام بل إنه يتمني الموت ويكون أغلي أمانيه.
الصورة الرابعة من الندم -عند مجيء النار
يقول النبي صلي الله عليه وسلم : " يؤتي بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام , مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" رواه مسلم . أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك يجرون جهنم بعد وقفة العرض والتقاف الكتب " وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأني له الذكري " لا تنفع اليوم ذكري أو ندم ومجيء جهنم هنا مجرد إبراز وإظهار "وبرزت الجحيم للغاوين " يقول الإنسان عندذاك " ياليتني قدمت لحياتي " وما أعظم ندم من استحق العذاب ورأي بأم عينه جهنم -مقر العذاب- حتي الآمنون من العذاب يتحسرون : أخرج أحمد بسنده عن محمد بن عميرة وكان من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم قال : لو أن عبدا خر علي وجهه من يوم ولد إلي أن يموت هرما في طاعة الله , لحقره يوم القيامة ولود أنه رد إلي الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب "
الصورة الخامسة من الندم - عند وقوفهم علي النار
سيقف المكذبون علي النار ويرونها ويتمنون العودة وأن يكونوا من المؤمنين الذين كانوا يضطهدونهم في الدينا " ولو تري إذ وقفوا علي النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين "لم يكن ذاك قبل الوقوف علي النار.. إنه المكر والنفاق الذي علق بقلوبهم , لكن الله يمكر بهم ويفضحهم بقوله " بل بدا لهم ماكانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " نعم كاذبون ولا ينفع ذلك الندم الكاذب مع الله.
الصورة السادسة من الندم - بعد دخول النار (والعياذ بالله)
" يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا "
أكثر الناس أضلهم الكبراء والسادة فرضوا بالذلة والجبن والصغار معهم فرافقوهم في النار . قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد..
ندم ثم ندم ولا يجتر النادم إلا الحسرة " أن تقول نفس ياحسرتي علي ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين تري العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين -بلي قد جاءتك آياتي فاستكبرت وكنت من الكافرين .. فمن
تذكر احوال الندم هذه أفلا يسارع إلي ندم التوبة والمحاسبة كل يوم وليلة ولحظة من هذا العمر القصير الذي كتبه الله علينا ليبلونا أينا أحسن عملا , أنشكر أم نكفر .. اللهم رحمتك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق