السبت، 7 يناير 2012

هل حرمة المظاهرات مانع من الخروج فيها ؟!


هل حرمة المظاهرات مانع من الخروج فيها ؟! 

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب السموات و الأرض و رب الخلائق أجمعين و الصلاة و السلام على المبلغ الأمين .. 


إن من نوازل هذا العصر ما تعارف الناس على تسميته بالمظاهرات ، و هي أن يجتمع قوم فيخرجوا إلى الطرقات منادين إما بنهي عن منكر أو أمر بمعروف أز طلب حق ( على اختلاف في صفة و قصد النهي و الأمر ، بحسب منهج و أصول كل قوم ) .. و قد اختلف علماء المسلمين في هذه النازلة فذهبت جماعة إلى تحريمها و بدعيتها و نسبتها إلى التشبه بالكافر و أنها محدثة ما كان عليها السلف في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و طلب الحقوق و الاصلاح و الجهر بنصحية الحاكم التي لا تكون إلا سرا و لما يتخللها من منكرات و ذهبت جماعة إلى إباحتها لعموم نصوص الحسبة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و رفع الظلم و طلب الحقوق .. و لست هنا لعرض الآراء و مناقشتها و الترجيح بينها .. أنما أردت النظر في قول من حرم المظاهرات ، آلتحريم مانع من موانع الخروج فيها على الاطلاق قولا واحدا ؟! ، و لا يباح ( يرخص ) بأي صورة كانت ؟! أم أن التحريم ليس بمانع مطلق ؟! ..

الجواب على هذا السؤال يأتي بعد النظر في قاعدة من قواعد الشرع التي اتفق عليها علماء الأمة و تلقفوها بالقبول حتى كادت أن تصير من المعلوم من الدين بالضرورة ، يعرفها العامة و الخاصة وهي الضرورات تبيح المحظورات ، و هي مستنبطة من قوله عز و جل في كتابه الكريم (( و قد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه )) و قوله (( فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه )) ، و قد فرع العلماء على هذه القاعدة الفروع فأجازوا أكل الميتة و الخنزير للمضطر و أجازوا شرب الخمر و الأبوال و الدم بل والكفر عند الإكراه و لا يقال لمن يأتيه إنه قد أصاب منكرا و لا يزعم زاعم أنه آثم و لا يفسق و لا يكفر إن استحلها في الاضطرار و انظر قول النووي في المنهاج : (( وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( واذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) فهو على إطلاقه فإن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة أو شرب الخمر عند الاكراه أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك فهذا ليس منهيا عنه في هذا الحال )) . آهـ

و عند النظر فيما جاءت بإباحته الشريعة عند الاضطرار نجده من قطعيات المحرمات في الشريعة و من المعلوم من الدين بالضرورة .. كأكل الميتة و الخنزير و شرب الخمر و الدم ، فكانت الإباحة في محرم قطعي بنص الكتاب و بالإجماع .. فلم يعتبر بالقطعية و لا بالإجماع عند الإباحة في الضرورة و كانت الضرورة مبيحة غير مانعة للمحرم القطعي و المجمع عليه ..
المظاهرات كما أسلفنا مسألة متخلف في حكمها و لم تقم على نص قطعي الدلالة و لا ظاهر و كل فريق يرجع المسألة للنصوص العامة فصاروا فريقين بين مبيح و مانع .. و هذه دلالة على أن المسألة ليست من القطعيات و لا من المسائل المجمع عليها .. 

فإن ثبت جواز إباحة القطعي و المجمع عليه للمضطر كان من باب أولى جواز إباحة ما دونها من الأحكام في الرتبة .. بل إباحة ما دونها أخف و أهون لأننا لا نجزم بحرمته و لا نقطع كما في القطعي والمجمع عليه .. و لا نغفل أن ما يباح للاضطرار يقدر بقدره لإزالة الضرر و لا يبغى و يتعدى فيه لقوله (( 
فمن اضطر غير باغ و لا عاد )) 

فلنا أن نسأل هل يجوز إباحة المظاهرات عند الضرورة ؟! ..


فلو أن شعبا يظلم على الدوام و يخشى الضرر لا يأمن على دينه و لا على نفسه و لا على عرضه من بطش الظالمين و تضيع أموال الشعب بأن تهدر هدرا و كانت المفاسد من هذا النظام الحاكم عظيمة لا تكاد تحصى .. و لم يجد الشعب سبيلا لدفع هذه المظالم و المفاسد إلا بالمظاهرات المحرمة لحفظ الضرورات ( الدين و النفس و المال و العرض ) ، فهل يجوز حينها لفقيه أن يحرم على الناس الخروج فيها بحجة الحرمة ؟! .. و هل هذا القائل مصلح أم مفسد ؟! ..
و حق لنا أن نسأل ماذا لو أفتى عالم بمنع أكل الميتة لرجل مشرف على الهالك لا يجد إلا الميتة ليأكلها و استدل على ذلك بصريح حرمة أكل الميتة ؟! .. و جعل القول بالحرمة مطلقا و لا اعتبار عنده لحالات الاضطرار ، ما تظنون رد الفقهاء على مثل هذه الفتوى و صاحبها ؟! ..

لشيخ الإسلام ابن تيمية تمثيل عظيم يدخل في هذا الذي نحن فيه ، بعد أن ذكر الشيخ جواز تولي المناصب و الولايات عند الظلمة لتقليل المفاسد و عدم زيادتها قال رحمه الله : (( 
و الذي ينهى عن ذلك لئلا يقع ظلم قليل لو قبل الناس منه تضاعف الظلم و الفساد عليهم ، فهو بمنزلة من كانوا في طريق و خرج عليهم قطاع الطريق فإن لم يرضوهم ببعض المال أخذوا أموالهم و قتلوهم ، فمن قال لتلك القافلة لا يحل لكم أن تعطوا لهؤلاء شيئا من الأموال التي معكم للناس ، فهو يقصد بهذا القليل الذي ينهي عن دفعه و لكن لو عملوا بالذي قال لذهب القليل و الكثير و سلبوا مع ذلك فهذا مما لا يشير به عاقل ، فضلا أن تأتي به الشرائع ، فإن الله بعث الرسل لتحصيل المصالح و تكميلها و تعطيل المفاسد و تقليلها بحسب الإمكان )) . آهـ 
و جاء على هذا الكلام تعليق الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق (( 
انظر إلى الدليل و تأمل فيه و طبقه على واقعنا المعاصر تجد أن من يفتي بعدم جواز ارتكاب المفسدة الصغرى فإنما يعرض المسلمين لحصول المفسدة الكبرى و انظر قول شيخ الإسلام أن هذا لا يقول به عاقل و نقول للأسف يفتي بذلك مجموعات يظنون أنفسهم من أعقل العقلاء و أحكم الحكماء )) . آهـ
و إذا ما نظرنا في تمثيل شيخ الإسلام وجدناه ينطبق على من يفتي الشعوب بحرمة الخروج مع غلبة الظن برفع الظلم و حفظ الضرورات .. فهذا الذي يفتي بحرمة دفع المال القليل لحفظ المال الكثير و الأنفس توقف عند حرمة دفع المال بغير حق و غصبه دون النظر إلى مآل هذا القول و في وقت القول وفي حال الناس حين قوله بالحرمة .. فكان مفسدا لا مصلحا .. إذ كان هو من أهلك الناس و ضيع أموالهم لو ما أخذوا بمشورته ، و مثله يقال فيمن يحرم على المضطر أكل المتية لحرمة أكل الميتة دون نظر لحال الآكل أهو مضطر أم ليس مضطرا و دون نظر على ما يترتب من المنع أهو أكبر مفسدة أم أقل ؟! .. و لا يجوز لكائن من كان أن يمنع مضطرا عن أكل ميتة ، بل لو مُنع المضطر لجاز له دفع مانعه و لو بقتله و يكون المانع مهدور الدم و لا شيء على المضطر ، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ((اتفق الفقهاء على أن إطعام المضطر واجب ، فإذا أشرف على الهلاك من الجوع أو العطش ، ومنعه مانع فله أن يقاتل ليحصل على ما يحفظ حياته )) ((إذا فقد المضطر الطعام وأشرف على الهلاك ولم يجد إلا طعاما لغيره ، فإن كان صاحب الطعام مضطرا إليه فهو أحق به ولم يجز لأحد أن يأخذه منه ، لأنه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك ، فأشبه غير حال الضرورة ، وإن أخذه منه أحد فمات أثم وضمن ديته ، لأنه قتله بغير حق ، فإذا لم يكن المالك مضطرا إلى الطعام لزمه بذله للمضطر ، لحديث أبي هريرة ، قلنا : يا رسول الله ، ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه ؟ قال : يأكل ولا يحمل ، ويشرب ولا يحمل . فإن منعه قاتل عليه بغير سلاح عند الحنفية ، وبسلاح عند غيرهم . فإن قتل المضطر فهو شهيد ، وعلى قاتله ضمانه ، وإن قتل صاحبه فهو هدر))
انظر كيف أجاز الفقهاء أن يقاتل المضطر من منعه الطعام و إن كان الطعام ليس بملك للمضطر و اهدروا دم مالكه بمنعه ..
فكيف بمن يمنع المضطرين أن يحفظوا أنفسهم و أعراضهم و أموالهم من الهلاك و الضياع بفتوى يطلقها و لا يقيد و تكون عونا للظالمين ؟! ...
و كيف بمن يفتي بجواز قتل المضطرين ؟! ..
فلو أن جماعة من الناس أصابتهم مجاعة فأكلوا الميتة و ظلوا على ذلك مادامت المجاعة فيهم ، أيجوز أن يُفتى بقتالهم إن لم يمتنعوا عن أكل الميتة و يجري عليهم أحكام الطائفة الممتنعة ؟! .. و هل يفتي بهذا عالم فضلا أين يتفوه به عاقل ؟! ..
نعود لنسأل ، هل يصح لعالم أن يفتي قوما خرجوا للمظاهرات اضطرارا بحرمة الخروج ؟! .. فما الفرق حينها بين الذي يفتي المضطر بحرمة أكل الميتة و من يفتي المضطر بحرمة الخروج في المظاهرات ؟! ..
و ماذا نقول في قوم قالوا عن مضطر أكل لحم ميتة أنه أصاب إثما مبينا و كبيرة من الكبائر و عليه وزرها و وجبت عليه التوبة و الاستغفار من الذنب الذي أصاب ، ورأوا وجوب التحذير منه و حكموا عليه بالفسق و أفتوا بتعزيره و قتله و قتاله إن لم يمتنع عن أكل الميتة ؟! .. هذا مثل صنيع جماعة من الناس اليوم مع المضطرين الذين خرجوا في المظاهرات ، تراهم يحرمون على المضطرين الخروج و كان الأولى بهم أن يخرجوا و الأوجب إن لم يخرجوا أن لا يمنعوا المضطرين الخروج .. لكنها آفة الجهل و التعالم في زمن قل فيه العلماء و كثر اتخاذ الرؤوس الجهال مفتين فضلوا و أضلوا كثيرا الناس بغير علم ..
و حسبنا الله هو الهادي إلى سواء السبيل ..
و الحمد لله رب العالمين ..
كتبه
محمد بن عبد الله
أبوهارون الكويتي ...... منقول من ( أنا المسلم )

المظاهرات 
التظاهر في اللغة :التعاون والمساعدة . 
وقد اختلف في حكم المظاهرات ، ما بين مجيز ومحرم .

وقد استدل المجيزون بمايلي :
1- أنها تدخل في إنكار المنكر ونصرة المسلمين ، وإنكار المنكر ورفع الظلم ليست له وسيلة واحدة ، ففي الحديث أنه جاء رجل يشكو جاره ، فقال له النبي e : اذهب فاصبر ‏,‏ فأتاه مرتين أو ثلاثا ‏,‏فقال : اذهب فاطرح متاعك في الطريق ففعل ‏,‏ فجعل الناس يمرون ويسألونه ويخبرهم خبر جاره فجعلوا يلعنونه فعل الله به وفعل ‏,‏ وبعضهم يدعو عليه فجاء إليه جاره فقال : ارجع فإنك لن ترى مني شيئا تكرهه ‏ رواه أبو داود وغيره . والجواب أن هذا في غير الإنكار على الحاكم .
2- ومن الأدلة : استقبال الأنصار للنبي e ونشيدهم . والجواب : أن الصحيح أن ذلك كان في رجوعه من تبوك [1]. ثانياً : على فرض صحته فهم إنما خرجوا لاستقبال النبي e لا للتظاهر والاحتجاج . 
3- ومنها : تلقي أهل المدينة لجيش مؤتة لما رجع للمدينة وقولهم لهم : يا فرار يا فرار . والجواب : أن هذه الرواية ليست صحيحة كما ذكر ابن كثير[2] فهي مرسلة وفيها غرابة ،خاصة وأن الرسولe أخبر أنهم نُصروا . ثم لو صحت فهي مجرد اجتماع لاستقبالهم بعد رجوعهم .
4- ومنها : إسلام عمر وحمزة وظهورهما علانية في صفين كما روى ذلك أبو نعيم [3]. وأجيب بأن مداره على إسحاق بن عبيد الله بن أبي فروة وهو منكر الحديث . 
5- ومنها: هجرة عمر علانية وتحديه للكفار كما روىذلك ابن الأثير [4] . والجواب : أن إسناده مداره على مجاهيل ، ثم على فرض صحته فليست هذه مظاهرة .
6- ومنها : أنها قد تكون ضرورة خاصة مع فقدان البديل ، وتدخل في الجهاد باللسان ، ولما فيها من المصالح .
وأجيب بعدم التسليم .
7- ومنها : أنها تتفق مع مقاصد الشريعة في إعلاء الإسلام ومراعاة الكثرة والقوة ، ومما يدل على ذلك : الاجتماع في الصلاة وغيرها ، وأمر الرسول e لأسامة أن يوطيء الخيل تخوم البلقاء [5]، والرَّمل والاضطباع في طواف القدوم . 

وقيل بالتحريم للأدلة التالية : 
1- أن فيها تشبه بالكفار ، وأجيب بأن التشبه إنما يحرم فيما يختصون به أو كان من شعائرهم .
2- ومن الأدلة : أنهابدعة . وأجيب بأن البدعة إنما تكون في العبادات . 
3- ومنها : أنها تؤدي إلى الخروج على الحاكم ، وفيها مفاسد من التبرج والعبث بالممتلكات والعنصرية ، والمخالفات العقدية الخ . 

والراجح الجواز إذا خلت من المفاسد ، وكانت احتجاجاً على أمر خارجي لنصرة المسلمين ، وأما على تصرفات الحاكم المسلم فلا تجوز خاصة إذا ترتب عليها مفسدة أعظم ، لأنها قد تهيء للخروج ، وهو محرم لحديث : ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) ، فالإنكار على الحاكم والنصيحة له لاتكون بهذا الأسلوب ، وممن أفتى بجوازها بشروط الشيخ محمد المنجد .


[1] - زاد المعاد (3/551) ، وفتح الباري(7/261) ، وانظر : تذكرة الموضوعات (196) ، والسلسلة الضعيفة (598) .
[2] - البداية والنهاية (4/248)
[3] - في الحلية (1/40) ، وانظر :الإصابة (2/512) ، وفتح الباري (7/59) .
[4] - أسد الغابة (4/58) .
[5] - السيرة النبوية (6/13)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق