الاثنين، 30 يناير 2012

عندما يكون التشهير تقربا لله وللوطن



صخب .. ضجيج تشهيري لم  يكن له سابقة في مصر من قبل .. ولم يعرف عن المصري الطيب في تاريخه الطويل هذا الإنفلات الأخلاقي اللساني .. وكان أقصي ما يصل إليه حنقه هو أن يؤلف نكته ساخرة تنفث عما في قلبه من كبت ..

أما الآن فأقل ما يفعله الواحد منا ـ في اليوم الواحد ـ أن يكون قد شهَّر بخمسين شخصا عمدا وتربصا وتقربا إلي الإله والوطن .. ودفاعا عن حمي الدين والأوطان .. وأصل صفات النفاق الفجور في الخصومة ( وإذا خاصم فجر ) .. صواميل انضباط الأخلاق بالخصومة تنفلت .. فلا قرآن يضبط ولا سنة ولا حتي صفات الإنسان التي توفرت حتي في أهل الجاهلية .. من عدم الغدر والتعدي إلا بشرف .. والذي ليس معه سلاح يعطي السلاح ليدفع به عن نفسه ..

التشهير : تشويه ، تشفي إظهار حقدٍ مختفٍ وحسدٍ لم ينجلِ ولغة التشهير لا تلتزم لا بقواعد ولا بأصول فيظهر لحنها في الآداب ، وتؤثر فيها ركاكة غياب الحقيقة ، وإن نمّقها صاحبها بفصيح العبارات وجزيل الكلمات .. يتعذر علي صاحبها الوصول إلى مقام الكبار ، ويتعسر عليه الحصول على المراد فيمتطي أسوأ جواد, ومع سوء موقفه يردفه بسوء صنيعه فظلمات بعضها فوق بعض

التشهير بالمسلم محرم شرعاً لما فيه من المفاسد الكبيرة والآثار الخطيرة كذباًُ أو صدقاً – والتشهير في الإنترنت يأخذ حكم التشهير باللفظ ..  ولكن ألا لعنة الله على الأهواء والعادات العمياء، التي تهوى بصاحبها فى مكان سحيق .. فمنهم متلذذ ومنهم مشهر للعداوة والبغضاء بألفاظ نابية للتشهير فقط .. لا فرق بين كبير أو صغير , رجل أو امرأة , مثقف أو أمي .. عالم أو جاهل .. علماني أو سلفي أو إخواني .. ولا حول ولا قوة إلا بالله

أدلة التحريم : في إشاعة الكذب قال تعالي : ( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ) ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) .. وقال في المرجفين ( أهل الإشاعات ) ( ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ) ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين )
وقال الحبيب صلي الله عليه وسلم : إن دماءكم وأعراضكم واموالكم حرام عليكم ) رواه البخاري
وقال الحبيب صلي الله عليه وسلم : إن أربي الربا الإستطالة في عرض مسلم بغير حق ) رواه أبوداود .. وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ يَتْبَعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتْبَعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ". إسناده حسن رجاله ثقات.

 وقد حبب الإسلام كثيرا في المحافظة على الشعور الإنساني والحس البشري لأن ذلك من أسباب الرقي والصعود في حلقات السمو الإنساني على هذه الأرض، ولأنه من أسباب التكريم الإلهي للإنسان الذي وكلت إليه الخلافة عن الله في الأرض

وانظر إلي الرقي الأخلاقي في الإسلام .. بعض من أسرف علي نفسه في أكثر الجرائم فضيحة .. قال الحبيب صلي الله عليه وسلم : "هلا سترته بثوبك" .. وعندما أقام الحد تطهيرا وحفظا للمجتمع نظم عملية العقاب فلا يشهد العقوبة إلا ( طائفة ) وليس الجميع .. طائفة من المؤمنين .. الذين بإيمانهم يسترون ولا يفضحون .. يقولون الخير أو يصمتون فقد قال الله تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } .. قال الإمام السلمى : " قال أبو عثمان: فى هذه الآية أولئك (((طائفة))) يصلحون لمشاهدة ذلك المشهد بصحة إيمانهم، وتمام شفقتهم ورأفتهم، ورحمتهم ورؤية نعم الله حيث عافاهم مما ابتلى غيرهم، ولا يعيرون المبتلى لعلمهم بجريان المقدور، ولا يشهد ذلك المشهد سفهاء من الناس وعامتهم ؟!

أما آثار التشهير .. فحدث ولا حرج .. ففي زمنٍ يصبح نشر الأسرار فيه حرية ، والتقول على الآخر بما لم يقل ذكاء وصفقة صحفية ، والظنون حقائق ساطعة ، في مثل هذه الوضعية يرتفع علم سوق التشهير ويكثر رواده ويحق للحقيقة أن تبكي وتشتكي . 
والتشهير صناعة قبيحة تزرع القلق ، وتحصد المحبة ، وتسقي أشواك العلاقات التي تجرح القلوب ، وتُنبيك عن ضيق صدر أو وسخه . فكم سببت بعض صور التشهير من خلل اجتماعي ، واضطراب فكري وكم بسببها اضطرمت البلاد بفتنة ، واشتعلت النوادي بمحنة .
ومن مصائبها أن البعض يبحث عن الشهرة من طريقها ، ويهرب من الحقيقة عبرها ، وأكبر مصائبها في زماننا أنها أصبحت مهنة مؤسسات ، وعمل هيئات ، ومهمةٌ يتقاضى عليها الناس مناصب ومكافآت !! 
حتى تكاد تبكي إن لم تكن قد فعلت عندما ترى وتسمع وسائل ومحطات ومواقع شغلها الشاغل التشهير وبالذات التشهير بأهل الفضل والعلم والدين مؤسسات أو أفراد ، ولا يُشكل عليك أمر التشهير ولا وصف صاحبه فمن علاماته الواضحات تتبع الزلات ، وترصد الهفوات ، وجعل الظنون حقائق بينات ، والأوهام قواعد راسخات . 


هل علمتمْ أمــــــــــــــــةً في جـــــهلِها؟ * ظهرَتْ في المجـــدِ حسناءَ الرداءِ
باطنُ الأمـــــــــــــــةِ من ظـــــــاهرها * إِنما الســـائلُ من لـــــــــونِ الإِناءِ
فخذوا العــــــــــــــــلمَ على أعـــــــلامِهِ * واطلُبوا الحـــكمةَ عندَ الحــــكماءِ
واقرأوا تاريخـــــــــــــــــكُمْ واحتفِظُوا * بفصيحٍ جــاءَكُمْ من فُصَــــــــحاءِ
واحكُـموا الدنيا بســــــــــــــــلطانٍ فــما * خُلقتْ نُصْـــرَتُها للضعــــــــــــفاءِ
واطلبوا المجــــــــــــدَ على الأرضِ فإِن * هي ضاقتْ فاطلبوه في الســـماءِ
وإِنما الأمــــمُ الأخــــــــــــــلاقُ ما بقيَتْ * فإِن همُ ذَهَبَتْ أخـــــــلاقهُم ذَهَبوا
وإِنما الأمــــمُ الأخـــــــــــــــلاقُ مابقيَتْ * فإِن تَوَلَّتْ مَضَوا في إِثـــرها قُدما
فما على المــــرءِ في الأخلاقِ من حَرَجٍ * إِذا رعى صــلةً في اللّهِ أو رَحِمها
                                                                    أحمد شوقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق